Saturday, May 2, 2015

The Shining مراجعة وتقييم فيلم


The Shining
قد يتضمن النص حرقا للاحداث! 

الفيلم مقتبس عن رواية بنفـس الإسم للكاتب الشهير سـتيفين كينغ، ويحـكي - بعدة إختلافات عن الرواية - حول كاتب يدعى جاك تورانس (جاك نيكلسون) والذي ينتقل مع زوجته وإبنه إلى فـندق Overlook ليشـرف عـليه بفترة الشتاء. وعـند مـقابلته مع مدير الفندق لتوكيله بالمهـمة، يخبره عن أحد الأشـخاص، والذي فقد صوابه بعد أن تولى الإشراف على ذلك الفندق، فقام بقتل إبنتيه التوأم وزوجته بفأس !... ولكن تورانس لم يهتم لتلك الحادثة ووافق على إشـرافه للفندق. ولكن بعد حوالي شهر، يصاببالجنون، فيحاول تقطيع زوجته وإبنه بفأس !!. 

قام كوبريك بكتابة السـيناريو جانب الروائي ديان جونسون، وقد تم تغيير الكثير من الأحداث المهمة بعمل كينغ. حتى أصـبح يشاع أن كينغ لـم يعجب بما قد قدمه كوبريك. وربما هذا أحـد الأسـباب الذي جعل كينغ يجري مراقبة شـديدة على المسلسل المصغر (المكون من أربع أجزاء) : The Shining سنة 1997، لإخراج ميك غاريس. والذي يعـد إقـتباس حقيقي 100% عن عمل كينغ، بالطبع مادام الأخير هو المنتج والذي يشرف على كتابة السيناريو. ومن أهم الإختلافات بفيلم كوبريك عن الرواية :
  • أضيفت بالفيلم المتاهة، والتي لها دور أساسي في القصة المعدلة.
  • حذف ظهور الحديقة المشذبة فنياً. حيث تصير النباتات المشذبة ذات شكل الحيوانات البرية، حية، في نهاية الرواية.
  • في الرواية يقوم جاك تورانس بمهاجمة ديك هالوران، لكنه لا يقتله، بعكس الفيلم.
  • في الرواية هالورين يساعد ويندي وإبنها داني في الهرب بعد إنفجار الفندق مع تورانس، على عكس الفيلم، حيث يموت تورانس بالمتاهة بعد ملاحقة داني.
كذلك هـنالك عدة تغييرات صغيرة عن الرواية، منها أن الرقم للغرفة التي حذر هالورين الطـفل داني بعـدم دخولها هو 217، وليس 237 كما بفيلم كوبريك. وإضـافة إلى ذلك وضع كوبريك مشهداً محيراً كان سيقلب الفيلم رأساً على عقب، وهو المشهد النهائي حيث يخبر مدير الفندق ويندي أنهم لم يستطيعوا إيجاد جثة زوجها جاك تورانس وأنها إختفت من دون أية أثر، مما يثير الشكوك والتساؤلات حول وجودية تورانس; وقد كان كوبريك حكيماً في حذفة، ووضع مشهداً محيراً آخر. 
وكالعادة، كوبريك كما في معـظم أفلامه، يصور الإنسان بطبيعة مختلفة مـفجراً أفـكاراً مبهـمة حول الغـريزة البشـرية ووحشيتها، ودوافع إرتكاب الجرائم. وإخراجه أشبه بتجربة لإكتشاف طبيعة الإنسان وتصرفاته المحيرة في الجانب المظلم. ومخالفاَ لأفلامه السابقة، هنالك تدخل للقوى الخارقـة في تصوير سوداودية الإنسان. فـرواية كينغ تركز على الأشباح وقوى ما فوق الـطـبيعة، والأمر نفـسه بفيلم كوبريك. حيث القـصة تتمحـور حـول العـائلة التي تمـلك قـدرة "الإشـعاع"، التي تمكن من رؤية المستقبل والماضي، حتى أنها تخـلق أشياء وأشخاص لا وجود لهم. ومن قرأ الرواية سيدرك أن تغـيير الأحداث المهمة كان تصرفاً بمنتهى الذكاء، لتواكب رؤيه سينمائية فذة لفيلم رعب لا مثيل له. 

shining1980dvd.jpg amen picture by AMEN_018
هذا الفيلم ليس فيلم غموض. بل هو "عن الغموض" ليجعل المشاهد يرغب في أن يكون آلة الإنيجما، حسب هواه.

يفتتح الفيلم على رجل يدعى جاك تورانس، والذي يجري مقابلة مع السيد المان (باري نيلسون) للإشراف على فندقه. فيوافق تورانس الغير مكترث بالمأساة التي حصلت قبل عدة سنوات لأحد مشرفي الفندق. وهكذا يصـل الى الفندق مع زوجـته ويندي (شـيلي دوفـال) وإبنهـما داني (داني للوويد) لقـضاء الشـتاء هـنالك، وليقوم بكتابة روايته الجديدة أيضاً. وعند وصول العائلة، يبدأ داني برؤية مشاهـد حول فتاتين توأم، ونهر من الدماء يفيض من المصعد. ولكنه لا يخبر والديه بهذا الأمر. بعد ذلك، يلاحظ رئيس الطهاة ديك هالورين (سكاتمان كروزيس) أن داني يملك موهبة "الإشـعـاع" التي تمكنه من رؤية الماضي والمستقبل. ويخبره أن الأماكن أيضـاً يمكنهـا "الإشعاع". كما يحذره بعدم دخول الغرفة التي تحمل رقم 237، قـبل أن يغادر الفندق مع جميع العـمال. وبعـد شهـر بدون وقـوع أية حادث أو مشكلة مع العائلة، تبدأ حالة جاك بالتدهور، بسـبب عزلته وعدم مقدرته على كتابة الرواية. فتسوء حالته منذ أن طـرد زوجته بطـريقة فـظة وحذرهـا بعـدم إزعـاجه أثناء كتابته للـرواية. وبعـد أن تصاحبه رؤى حول أشخاص لا وجود لهم، منهـم الرجل الذي إنتحر بعـد أن قـتل إبنتيه التوأم وزوجـته، - والذي حـرضه "لتأديب" عائلته - يفقد صـوابه تماماً. فيحاول قتل زوجته وإبنه بدون وعـي. لينتهي به الأمـر مجمـداً في المتاهـة. ومن الناحية الثانية : صورة معـلقة على حـائط ذلك الفندق.

المخرج ستانلي كوبريك أثناء تصوير الفيلم.

أجاد كوبريك بإقتدار إبتكار أجواء رعب هادئة، تتحول تدريجياً الى أحداث صـارخة تحبس الأنفاس. فتجري أحداث القصة بتتداخل التخيلات المجنونة مع الفظاعة الحقيقية. والفيلم عبارة عن إنجاز سـينمائي مذهـل بسينما الرعب، ذو رؤية خـاصة تجمع عناصر تشـويقية كبيرة، من خلال رواية رعب أصيلة ومميزة. التي تعد من أفضل روايات الرعب للمؤلف كينغ. كما أن كوبريك يولي أهـمية كبيرة لمظاهر الديكورات وألوانها ومواقع التصوير، محولاً رائعة كيغ الى صـيغة فـنية مشوقة، وأصالة سينمائية ليس لها مثيل. إذ في معظم المشاهد (إن لم تكن كلها) هنالك حضور قوي للون الأحمـر، البرتقالي والأصفـر، كإنذار بالخطـر القـادم. والأزياء التي أختيرت خاصة جداً ونجد بها اللونين الأحمر والأزرق، المتواجدان في الكثير من مواقع التصوير وتقريباً في كـل الأزياء.
يوغل كوبريك المشاهد بتصـميم الديكورات العـبقري والإخراج الفني الأنيق. حيث تستحوذ على إنتباه الحضور، طوال الفيلم، بأشكالها العجيبة وألوانها الجذابة، مصحوبة بموسيقى تعكس الإضطرابات النفسية. والتي إشتقها من عـدة مصادر وأعمال مـلحـنين، كما أدخل الموسيقى الإلكـترونية التي تحمل مفـعـولاً خاصاً، تورث شعوراً بالخطر والغرابة. ويعد هذا الإشتراك الثاني لكوبريك مع الملحنة ويندي كارلوس والتي عملت معه سـابقاً بفيلم "برتقالة آلـية". وبتركـيز كـبير على الرعـب النفسي القـاتم، تلائم الموسـيقى والألحـان تحركات الممثلين ومواقفهم. فالموسيقى والتصميم الإنتاجي يحملان تأثيراً خاصاً، ويشكلان جزئين متميزين من هذا العمل.
ويرجع النجاح الفـني الباهر، بشكل كبير، لرواية كينغ المذهلة والتي ترجعنا الى الأجواء القوطية، ولكن برؤية عبقرية ومختلفة من كوبريك وإبداعات قصصية من كينغ. فإن إستناد كوبريك على رائعة كينغ كان الجزء الأكثر تأثيراً بنجاح الفيلم. وهـنالك توظـيف ملحوظ لتقنيات الكامـيرا، من قبل كوبريك مع المصـور السينمائي القـدير جون ألكوت، والذي كان قد عمل سابقاً بأفلام كوبريك، ونال أوسكار أفضل تصوير سينمائي سنه 1976 عن عمله بفيلم كوبريك "باري ليندون". فأستعملت بشكل متكرر تقنية Steadicam، وأيضاً كان مـخترع هذه التقنية، غـاريت براون، مـوجـوداً مع طاقم الفيلم، ويعد هذا الإسـتخدام الأول لهذه التقنية من قبل كوبريك. والذي يجعـل الكاميرا عنصراً مهماً من العـمل بشكل بارز، بكيفية ملاحقته للممثلين أو إستخدامه لحركة التزويم - المستخدمة كثيراً بأعماله. وكما بأفلامه السابقة ينجح كوبريك بتقديم إبهـاراً بصرياً يندر مثيله، بإهـتمامه الكبير وبتركيزه المتأني والثابت على حركة الممثلين والأحـداث وموقـع التصـوير. ليصـنع بلمـساته الباردة تحفة فـنية ومـدرسـة أخرى على التوالي. وبالطـبع، بدلاً من تكـريم هذا العملاق السـينمائي بترشـيح لجائزة الأوسـكار، على الأقـل لعـمله العظيم، رشـح لجائزة Razzie Award، كأسوء مخرج لسنة 1980 !!.

لقطة إقتحام الغرفة :

أختير الممثلين بشكل ممتاز. كما هنالك تحكم بارع من قبل كوبريك بحركة الممثلين (كأفلامه السابقة)، وأبرزهم الممثل الأسـطوري جاك نيكلسون. عبقري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بتحركاته المفاجئة وإبتسامته العـريضة، أو إرتجالات الممـيزة. وقد إقتمص نيكسلون، بتفوق، دوراً صعباً ككاتب عائلي يصـيبه الجنون، وهو دور ممتع ومـخيف في الآن ذاته. وذلك الأداء الفذ، ليس غريباً على أحد أعظم الممثلين. وفي الكثير من المشاهـد أداءه فـوق القـمة، ولــكن، كان البريق الـحقيقي نابعـاً من إخراج كـوبريك، بزوايا التصـوير المبهـرة والغـريبة التي تبرز مدى العناية في تصوير المشاهد والرؤية الفنية الممتازة. كما أن الممثلة شيلي دوفال قدمت حضوراً ممتازاً بدور الزوجة التي تحاول خلق جو ممتع، والترويح عن زوجها حـتى يطـردهـا بشكل مـريع. وبإختصـار جـميع الطاقم أدوا دوراً متمكناً، يصعب نسيانه. والغريب ترشيح الممثلة دوفال لجائزة أسوء ممثلة، ولــكن، إن رشح أعـظم مخرج بتاريخ السينما ستانلي كوبريك عن فيلمه العظيم هذا، فما بالنا بتلك الجائزة ؟؟.



 

حركة مخفية وعبقرية من كوبريك :

لا بد أن أكثر ما حير كــل المشـاهـدين، هو نهـاية الفيلم، حـيث نشاهـد بعـد مـوت جـاك تورانس، صــورته في الفندق 
واقفاً بإحدى حفلات الفندق سنة 1921 وترتسم على وجهه إبتسامته العريضة المعتادة. تشـير الصـورة أنه كان في الفندق سابقاً، ولكن هذا مستحيل، جاك لم يكن سابقاً في هذا الفندق وكانت تلك أول زيارة له. في الرواية جاك يموت في الفندق بسبب الإنفجار، ولكن بالفيلم الأمر معـقد لدرجة كـبيرة ويصعب فهـم ذلك المشهـد. وهنالك تفسـير منطـقي واحد لا غير، لما حصل بنهاية الفيلم :
بعد رحـيل العـائلة، يصبح الفندق خـالياً. ولكن، يحصـل تغـيير بموقـع أغـراض الـفندق (الأريكـة والصورة). ونلاحظ
هنا وجود الأريكة الحمراء، أما الصورة المعلقة على الحائط، والتي يظهر فيها جاك مبتسماً وتحمل عنوان :
 Overlook Hotel, July 4th Ball, 1921. فلا وجود لها بتاتاً :



أما هنا فالأريكة مختفية، والصورة "أضيفت" !! :


(ويعـرف أن عـند قدرة "
الإشعاع" تنتقل أو تظهر أشياء لا وجود لها. )
 وبالضبط، فبعد مغادرة الجميع، وكل من يسـتطيع "الإشعاع"... فمن يستخدم هذه القدرة ؟! :بكل بساطة، إنه الفندق، فحسب ما قال هالورين لداني :
"بعض الأماكن هي مثل الناس. بعضها "يشع" وبعضها لا "يشـع"". "some places are like people. Some "shine" and some don't."
فتلك الصورة محض خيال من صنع الفندق، الذي جعل تورانس صورة على الحائط، وحسب ما قال "الشبح" (وكيل
الفندق الذي إنتحر بعد أن قتل زوجته وطفلتيه) لتورانس :

"أنا آسف للإختلاف معك، سيدي، ولـكن أنت هو الـوكـيل".
"I'm sorry to-differ with yousirBut you are the caretaker."

 وهذا الكلام خاطىء كلياً، بالطـبع، فجاك لم يكن وكـيلاً سابقاً على الفندق. 
في النهـاية نرى أن جـاك في الصـورة ممثلاً الوكـيل السـابق الذي إنتحـر. وهـذا الأمـر، بلا شــك، لـيس صـحيحاً. والصورة مجرد خيال من صنع الفندق. فما إعتقده هو أن جاك الوكيل السابق، وهذا ما عكسته الصورة، الكاذبة.
THE ENDING
(( لم يعرف التاريخ مخرجاً أفضل من ستانلي كوبريك))


لعل أكثر ما جعل الفيلم تجربة سينمائية يصعب تكرارها، هو إجتماع ثلاثة رجال عظماء : ستيفين كينغ، ستانلي كوبريك، وجاك نيكلسون. كوبريك كان قد صنع عـدة أفلام عظيمة تعد من أبرز ما أنتج بالسينما، فلم تكن تجربة بتلك الصعوبة على مخرج بحجمه، فهو يعرف تماماً ما يقـوم به بكل المشاهد، وكيف يوجه الكاميرا ويحـركها، كأنه ربان سـفينة. مانحاً المشاهـد بصـرية ممتعة وعجيبة في الآن نفسه رغم غرابة الأحداث، ويتحقق ذلك بعناية فائقة لموقع التصوير، الأزياء، الموسيقى، الممثلين... ألخ.وبمثالية تامة يعـرض الكثير من اللقطات، وتمنح زاوية الكامـيرا للمشاهـد شعورا يناسب كل لقطة من لقطاته. وينجح بإستغلال الكاميرا أفضل إسـتغلال، بتعـقبه للممثلين ووضعيتها الملائمة لكل مشهـد بزاويتها المـنخفضة أو المباشـرة والثابتة. ويعـتمد على المشاهـد المطـولة ليشعــرنا بقـوة الحدث وواقـعـيته. ويصـنع بإحـتراف الكثير من المشاهد المشوقة الخالدة المحبوكة بمهارة تامة. فها هو كوبريك يصنع شكلاً وصورة سينمائية أخرى فريدة من نوعها مع تقديم إبتكارات جديدة في مفهوم صناعة سينما الرعب... من دون تكريمه بشيء.

No comments:

Post a Comment